عدد المساهمات : 540 نقاط : 1641 تاريخ التسجيل : 08/08/2009
موضوع: دعائم العمل الرعوى للأنبا تادرس الجزء الأول الثلاثاء 1 سبتمبر - 2:20
دعــــائم العمـــــل الرعـــــــوى الأنبا تادرس
يرتكز العمل الرعوى على ثلاثة أعمدة هى الحب، والحكمة، والاتضاع.
أولا: الحــــب لخــَّــص السيد المسيح الكتاب المقدس كله فى، "الله محبة." وقد وضع لنا الأساس القوى فى عدم وجود عمل رعوى بدون محبة متبادلة بين الراعى والرعية.
وعندما سأل السيد السيح سمعان بن يونا: "أتحبنى. . .؟" أجاب سمعان: "أنت تعلم يارب أنى أحبك." فقال له يسوع: "ارع غنمى." وتكرر هذا الحديث ثلاث مرات لأنه لا توجد رعاية بلا حب متبادل، إذ أننا "نحن نحبه لأنه هو أحبنا أولا." (1 يو 19:4)
والله الذى أحبنا أولا ترجم محبته لنا بأعمال كثيرة وليس بالأقوال، فهو يقول لنا: "لا أتركـَكـُــم يَـتامَى." (يو 18:14) لذلك فإن الخادم يتقدم للخدمة لأنه مديون لله بالمحبة. الخادم لا يتفضل على الخدمة بمواهبه وإمكانياته، لكنه يسدد جزء بسيط من دَين محبة الله له. وعلى قدر إدراك الخادم لمحبة الله يحاول أن يعبــِّــر عن هذا الحب بالعمل، لأن معلمنا يوحنا يقول: "يا اولادي لا نحب بالكلام و لا باللسان بل بالعمل و الحق." (1 يو 18:3) إن الرب يسوع أجاب عندما سئل عن أعظم الوصايا: "تحب الرب الـَــهك من كل قلبك و من كل نــَـفسك و من كل قدرتك و من كل فكرك و قريبك مثل نــَـفسك." (لو 10: 27) وهذا هو العمل الرعوى؛ أن تحب بالعمل وليس باكلام. ويقول قداسة الباب شنودة الثالث عن ضرورة اقتران العمل بالحب: "إن الله قبل أن يــَـــقبل العمل المُقــَـدَّم، لابد وأن ينظر إلى قدر الحب الذى فى قلبك." حينما قــَــدَّم حـَـنانيا وسَـــــفِـيرَة ثمن البيت، كان قلبهما خال من المحبة، لذلك كان عملهما بلا قيمة ولم يقبله الله.
وعندما تـُـــقـَـدَّم الخدمة عن حب، فإنها تفرح قلب الله ولو كانت خدمة بسيطة (فلسَــى الأرملة، المرأة ساكـِــبة الطِـــيب، إلخ.) "من يثبت فى المحبة يثبت فى الله والله فيه." (1 يو 16:4) وبعبارة أخرى، فإن العمل الرعوى ينمو بالمحبة. كلما ازدادت محبتك له ولأولاده، كلما ازداد العمل الرعوى فى حياتك. وفى حديثه لتلميذه تيموثاؤس، يحدد بولس الرسول صفات الراعى فيقول: "غير مدمن الخمر و لا ضرَّاب و لا طامع بالربح القبيح بل حليمًا غير مخاصم و لا محب للمال" (1 تى 3:3) فهو إنسان محب للكل، مجامل للكل، وخدوم للكل، وقلبه مفتوح بالمحبة للكل.
ويتحدث بولس الرسول فى الإصحاح الثالث عشر من الرسالة الأولى إلى أهل كورنثوس عن المحبة ، والتى تصل إلى البذل والصليب والاستشهاد، فيقول: "وإن سلـَّــمت جسدى حتى أحترق ولكن ليست لى محبة فلا أنتفع شيئــًا." (1 كو 3:13) وهو يقصد بالمحبة أن يحمل آلام الناس ويتفانـَى من أجلهم ويبذل نفسه من أجلهم، وفى كل هذا لا يتذمــَّـر أبدًا. وهو أيضــًـا ينسب لنفسه أخطاء الآخرين، مثلما يتكلم دانيال بصفة الجـَـمع قائلا: "أخطانا و أثــِــمنا و عمـَــلنا الشـَّــر و تمرَّدنا وحــِــدنا عن وصاياك وعن أحكامك." (دا 9 : 5) وصلـَّــى وصام ووضع نفسه مع الخطاة وتوســَّـل لله عنهم رغم أنــَّـه لم يفعل شيئــًا.
بعض ســِــمات المحبة: 1. الأبوَّة الروحية للجميع
فالإنسان الذى يمتلئ قلبه بالحب يشعر بالأبوة نحو الآخرين، ويمتلئ قلبه بالإحساس بالمسئولية نحو الخطاة والمحتاجين، ويشعر بالحب والأبوة للجميع دون تفرقة.
2. الحنان والرفق بالخطاة
القلب الممتلئ بالمحبة يترفــَّـــق بالخطاة، ويشفق عليهم، ويراعى ظروفهم، ويتأثر بضعفاتهم، ويقف إلى جانبهم، ولا يحتقرهم.
ترَفــَّـق السيد المسيح بالمرأة الخاطِئة وبالزانية، لأنه مـَــن مِنـــَّـا بلا خطية؟ إننا كلنا تحت الضعف؛ يخطئ أخى اليوم ويتوب، وأخطئ أنا غدًا وقد لا أجد فرصة للتوبة. إن مشاعر المحبة كثيرًا ما تكون سببًا لجذب الآخرين، مثلما جذب السيد السميح الســـامِريــَّـة وزكــَّـا ومتــَّـى العشــَّــار، فتابوا ورجعوا. ويقول قداسة الباب شنودة الثالث: "إذا كنت تذهب لخدمة القديسين، فلا فائدة. نحن نخدم الجميع، وأولا الخطاة."
3. السهر على حراسة القطيع
الخادم المُحِـــب يبحث عن المخدومين ويسهر عليهم لكى لا يهلك منهم أحد. الخادم الساهر على حراسة القطيع يستطيع أن يقول: "الذين أعطيتنى إياهم لم يهلك منهم أحد." (يو 12:17)
4. البذل والتضحية فى الجـَـهد، والوقت، والإمكانيات
لا يبخل الإنسان المحب أن يتمم عمل الله بكل الإمكانيات التى أعطاها الله له. وهو يعرف أن هذه الإمكانيات هى أمانة عنده، ويفرح جدًا عندما يقدمها لله ولا يبخل بشئ منها.
5. إحتمال الإساءة والحروب
القلب المحب يحتمل الإساءة والحروب من داخل الكنيسة ومن خارجها، من الأصدقاء والأعداء، من المحبين والكارهين، إذ أننا "من أجلك نـُـمات كل النهار." (رو 36: وكذلك فإننا "نـُـشتم فنـُـبارك، نــُـضطـَهد فنــَـحتـَمل، يـُـفترى علينا فنــَـعـِـظ." (1 كو 12:4)
6. إحتمال الأتعاب
تسـَــمـِّى الكنيسة العمل الرعوى "تعب المحبة"، فهو مفرح جدًا للقلب المملوء حبًا، ومتعـِـب جدًا للقلب الخالى من المحبة.
7. الجهاد الروحى
أنت تـُـمارس أصوامك، وصلواتك، وقراءة الكتاب المقدس، وتحضير الموضوعات، وحضور القداسات من أجل المحبة. ولكن بدون المحبة تشعر أنها واجب عليك، وحِمل ثقيل من الأفضل ألا تــُـمارسه. القلب الممتلئ بالحب يقول: "ومعك لا أريد شيئــًا." (مز 25:73)
ثانيًا: الحــِـكمة الحكمة هى الأساس القوى الثانى للعمل للعمل الرعوى، وغياب الحكمة يمكن أن يتسبب فى هلاك نفوس كثيرة. وعدم الحكمة فى اختيار الآية المناسبة أو العبارة المناسبة يمكن أن يضيع حياة إنسان.
الحكمة هى سر نجاح الأنسان، وهى التى تجعل الراعى يبحث عن النفوس ليربحها. ويقول الكتاب المقدس: "رابح النفوس حكيم." (أم 30:11) عندما سأل الله سـُــليمان الحكيم عن بــُـغيــَـته قال: "اعط عبدك قلبـًـا حكيمًا فهـِــيــمًا لأحكم على شعبك وأميــِّـز بين الخير والشر. لأنه مَن يقدر أن يحكم على شعبك العظيم هذا؟" (1 مل 9:3) لذلك قال له الله: "قد أعطيتك أيضا ما لم تسأله غنــَـى وكرامة حتى أنه لا يكون رجل مثلك في الملوك كل أيامك." (1 مل 13:3) ولذلك فإننا حتى الآن نحتذى حكمة سُــلــَـيمان. وسفر الأمثال هو أكبر مثال للنعمة الإلـَـهية الخاصة التى أعطاها الله لسليمان الذى لم يطلب غير الحكمة. والله مستعد أن يعطى الحكمة لكل مَـن يسأله حسَـب وَعده: "لأنى أنا أعطيكم فمــًا وحكمة لا يقدر جميع معانديكم أن يقاوموها." (لو 15:21) والحكمة مطلوبة فى الكنيسة للخدام على كافــَّة مستوياتهم. فالبطريرك غير الحكيم سيصبح مثل "نسطور"، والكاهن غير الحكيم سيصبح مثل "أريوس"، لذلك فإن "رأس الحكمة مخافة الله." (مز 10:111)
حددت الكنيسة صفات الشمامسة عندما عــَّـينـَت سبعة شمامسة أولا، ويذكر سفر الأعمال أن هؤلاء الشمامسة كانوا "مملوئين من الروح القدس وحكمة." (أع 3:6) وقيل عن موسى النبى أنه "تأدَّب بكل حكمة المصريين." (أع 22:7) وتعتبر الكنيسة أن الأسرار السبعة المقدسة هى نبع الحكمة فى حياة الخادم "الحكمة بـَــنـَـت بيتها. نحتت أعمدتها السبعة." (أم 1:9)
والإنسان الحكيم يتقبــَّـل التوبيخ، والنصح، والإرشاد، والتوجيه. أمـَّـا غير الحكيم فيرفضها جميعــَّـا. ولذلك يقول سفر الأمثال: "لا تــوَبــِّـخ مستهزئا لئلا يبغضك. وبـــِّـخ حكيمًا فيحبك." (أم 8:9) وعندما كان السيد المسيح (أقنوم الحكمة) يتعامل مع الناس كانوا يتعجـَّـبون ويسألون من أين أتت هذه الحكمة.
والحكمة عطيـَّـة إلـَـهية يعطيها الله للبسطاء والمتواضعين، فهو يختار الجهـَّـال ويعطيهم حكمة، إذ قال بولس الرسول: "بل اختار الله جُهـَّال العالم ليخزى الحكماء." (1 كو 27:1) كان التلاميذ من جهال هذا العالم، لكنه وعدهم أن "أعطيكم فمًا وحـــــكمة لا يقدر جميع معانديكم أن يقاوموها." (لو 15:21)
وبحكمة تــَـبدأ خدمتك، بأن تسأل وتطلب الإرشاد من الآخرين و "لا تكن حكيمـــًـا في عينــَـي نفسك." (أم 7:3) عندما وصل بولس الرسول إلى أثينا، لم يكن فيها مسيحى واحد، وبحكمة الله الذى استخدمه فى الخدمة، خرج منها ولم يكن فيها وثـــنى واحد.
وكثيرًا ما يثور أمامنا سؤال حول قول الرب فى أن نكون "حكماء كالحيــَّـات." (مت 16:10) وفى هذا يقول قداسة البابا شنودة الثالث: "الحكمة فى المسيحية بسيطة. والبساطة فى المسيحية حكيمة." وهنا يثبت قول بولس الرسول: "لا بحكمة كلام لئلا يتعطل صليب المسيح." (1 كو 17:1) فالحكمة البسيطة هى من الله وليست من الإنسان، وهى ليست أداة بلاغة، ولا هى للكبرياء ولا لضرر الآخرين.