عدد المساهمات : 540 نقاط : 1641 تاريخ التسجيل : 08/08/2009
موضوع: الأيمان العقائدى (ج1) الجمعة 28 أغسطس - 1:40
الأيمان العقائدى (ج1)
أولاً ينبغي لنا أن نفرق دائماً بين طريقتين، طريقة قبول الحق الإلهي وبين طريقة قبول الحقائق العلمية والفكرية التي تتعلق بهذا الدهر فالحقائق العلمية يُفيدها جداً أن نُمهد لها بالشك حتى تُثبت صحتها بالقياس للحقائق الأُخرى الثابتة. أما الحق الإلهي فلا يُمكن أن يأخذ طريقه لقلب الإنسان وفكره إلا إذا سبق الإنسان وأعد قلبه وفكره بإتضاع لقبوله، بمعنى أن يكون لدى ضمير الإنسان الاستعداد للانفتاح للحق الإلهي وتصديقه قبل مناقشته والخوض فيه، حتى إذا بدأ الحق الإلهي يشع بنوره ويقرع القلب لا يجده مغلقاً بالشك والعناد فيُمتنْع على الإنسان الإحساس به والفرح لهُ.
والحق المسيحي يمتاز بأنه لا يتعلّق، أساساً، بقواعد ومبادئ تحتاج إلى الفحص العقلي وبالتالي تحتاج إلى الذكاء والقدرة العقلية... فنحن نلجأ إلى أفكار ونصيغ تعبير، لكننا نحتفل بشخص حي وحاضر، إننا نعبُد شخصاً هوَّ الحدث . والحدث يعني، في التعبير المسيحي، الحقيقة القصوى التي بها يُعبّر الشخص عن ذاته في علاقة حياة مع الآخر!!
فالله ليس فكرة بل حدث: أنه في صميم ذاته علاقة حياة، حياة بين الأب والابن بتيار الحب الروح القدس الرب المحيي، ومن صميم تلك الحياة التي في الله يتدفق الله علينا في الخلق والتجسد والفداء..
الحدث هوَّ تلك العلاقة الجوهرية التي تصل الله بخليقته صلة حياة ومحبة. أن جوهر الحقيقة هو حدث. وجوهر الله هوَّ هذا الحدث المزدوج المتكامل: الله في صميم ذاته آب وابن وروح، وفي علاقته بالإنسان استمرار وحي ودفق عطاء في الخلق والتجسد والفداء.. ويقول القديس غريغوريوس النزينزي: ((الله هوَّ استمرار كشف ودوام وحي لذاته، يُحرك دون انقطاع الوجدان البشري ويُنير ظلماته)) ومن هذا المنطلق يحيا المسيحي بالله ولأجل الله ويتجاوب معه بشعور وإحساس واعٍ، فيشعر المسيحي المؤمن ويحس إحساساً مرهفاً بارتباطه الكلي بالله؛ إن كيانه هبه وعطية، وهذه العطية لم توهب دفعة واحدة، بل هيَّ متدفقة لحظة تلو لحظة، إنه عطاء مستمر، وتقبُّل مستمر؛ فالله يهب والإنسان يقبل..(باستمرار)
فيشعر المسيحي بعظمة وجمال وحب مَن هوَّ ينبوع كل وجود وكل عطاء، فيُعفر هامتهُ بالتراب، في موقف السجود ويشكر بالتسبيح والحمد، ويبقى على يقين أن الله ليس في حاجة إلى عبادته أو شكره ((لم تكن أنتَ محتاجاً إلى عبوديتي بل أنا المحتاج إلى ربوبيتك))، إلا أن العبادة هيَّ التي تُساعد الإنسان على أن يعرف مكانته من الله، ليبقى في اتحاد الحياة والشركة معه. ومن هنا تم تنظيم العبادة الطقسية..
والمسيحي الذي يعترف بالله أباً لهُ، يدع جانباً كل خوف وقلق؛ ويعلم إن خطاياه عينها – شرط أن يتخلى عنها – لا تُزيح نظرة الله المُحبة إليه، بل هيَّ موضع إشفاقه وحنانه. ومن هُنا أتى سرّ التوبة والاعتراف باستمرار وطول الحياة ، وأيضاً الأصوام الشخصية لتهذيب النفس وضبط أهوائها .
المسيحي ينتظر من الله عونه ونعمته، ولكن لا من باب الاستسلام إلى الخمول أو الضعف أو اليأس أو الإحباط، إنه يعمل كما لو كان كل شيء مرتبطاً بسعيه، ويتوكل على الله كما لو كان كل شيء منوطاً بنعمته.أنه يعمل ويُجاهد، لكن دون تَخبط. يتوجه دائماً إلى الله كما يتطلع إلى أبيه، ليعرض عليه في الصلاة أحزانه ومشقاته واحتياجاته وينتظر بصبر وثقة في محبة أبوه ومشيئته الذي أحبه للمنتهى حتى أنه صُلب من أجله، ومن هُنا تأتي صلاة المخدع المنتظمة والمستمرة دون انقطاع مهما كانت الأسباب.
المسيحي الواثق بالله يعيش بسلام وفرح وتمجيد دائم لله ، ومن هُنا أتت الترانيم والتسبيح في الكنيسة.
المسيحي الحقيقي، يحب الله الخير الأسمى والحب الأسمى. وتتجسد محبته في تتميم إرادة الله، فيتقبل كل ما يعترض له من ضيقات مشقات وصلبان وأمراض وأوجاع مهما كانت ومهما طالت، ومن هُنا وضعت الكنيسة صلاة الشكر اليومية وزيت مسحة المرضى الذي هوَّ سرّ حضور المسيح في المتألمين.
كما يتجسد إيمانه لواجبات وضعه كمسيحي، أي بتحقيق المهمة الموضوعة علية في بناء العالم وملكوت الله. ومن هنا كان الصوم والسهر في صلوات وطلبات لا تنقطع من أجل العالم وكل محتاج.
ويتجسد أيضاً إيمانه وأمانته بحفظ الوصايا، في احترام حقوق كل إنسان وكرامته، لاسيما وصية محبة إخوتنا على مثال محبة الله لنا. إنَّ متطلّبات هذا الحب يلحظها في دقائقها ذاك المسيحي المتجرد من أنانيته والمنصت بانتباه لصوت الله ونداء إخوته. ومن هُنا سرّ اجتماع الكنيسة وسرّ الافتقاد والعطاء لكل محتاج.