عدد المساهمات : 540 نقاط : 1641 تاريخ التسجيل : 08/08/2009
موضوع: ماهو الأيمان؟ الجمعة 28 أغسطس - 1:25
ماهو الأيمان؟
الإيمان هوَّ علاقة خاصة شخصية مع الله، ويقول القديس مكسيموس المعترف: (ما من سبيل إلى عقد علاقة بين الإنسان والله إلا بالإيمان. فالإيمان قوة. انه قوة خاصة توحّد الإنسان المؤمن والله الذي يؤمن به، توحيداً مباشراً كاملاً يفوق الطبيعة البشرية) ليس الإيمان علاقة عقلية وحسب. فالشياطين أيضاً قد يكون لهم مثل هذا الإيمان (يع2: 19). إنما الإيمان هوَّ ارتباط حياة بحياة، وهذا الارتباط يطال الشخص البشري بكاملة بما يفوق الإدراك أو الفحص. لذلك يرى الآباء القديسين أن الإيمان لا يكون حقيقياً إلا إذا شمل الشخص كله وحوَّله إلى صورة حقيقية للرب يسوع له المجد. بالإيمان لا يعتنق المسيحي عقيدة مجرّدة، بل يتّحد بأشخاص أحياء (1) ،بحضور حقيقي. (2) الإيمان هوَّ جواب الإنسان على دعوة شخصية يكشف له فيها كل من الآب والابن والروح القدس عن ذاته شخصاً حياً وحضوراً محيياً. وجواب المؤمن أي جواب الإيمان على تلك الدعوة هوَّ أن يرتمي في أحضان كل من الآب والابن والروح القدس ليغرف من بحر حضور الله كما كشف عن ذاته. فالإيمان المسيحي، ليس تحليلاً فكرياً، إنما هوَّ قبول حياة الله فينا واتحادنا به(3) ،وعندما يتلو المؤمن قانون الإيمان لا يكتفي بترداد كلمات، بل يغرق في بحر الحياة الأبدية، يغرق في بحر الحب، يغرق في بحر النور ويغرف منه ويشبع .. + والإيمان الحي الحقيقي الأصيل دائماً يتجاوز الحياة النفسية القائمة على الانفعالات العابرة التي تنتهي بزوال المؤثر، والتي دائماً تفتقر إلى العمق والأصاله. فمَّ هوَّ هذا العمق؟ هوَّ كيان الإنسان نفسه. وما هيَّ الأصاله؟ أصالة الوحدة مع الله والكنيسة.
وكمثال على ما نقول: تذكرنا الليتورجيا بالراقدين وبالأحياء أيضاً. هذه الذكرى تُمارس في الإفخارستيا بالإيمان الحي، وليست هيَّ تذكر الأحداث والكلمات وإنجازات الأحباء ومشاكلهم وقداستهم، إنما هيَّ ذكرى نابعة من حقيقة وجودية، حقيقة وحدتنا مع هؤلاء الأشخاص في خبرة جديدة هي تحوّل كياننا البشري إلى كيان جديد أي الكنيسة جسد المسيح. ونحن الذين ربطتنا وحدة المصير مع هؤلاء القديسين في الكيان الجديد، المسيح أي الكنيسة، لا نتذكرهم على أساس حياة نفسية انفعالية وإنما لأننا معهم – فعلاً – قد تحولنا إلى أشخاص على صورة الله خالق كل الأشياء والذي خلق الإنسان ، لا لكي تكون له شخصية منفردة متقوقعة على ذاتها في وحدتها الخاصة، بل يكون لهُ كيان جديد أي كنيسة بها أشخاص منفتحين بالمحبة بعضهم على بعض ، ومتحدين بالإيمان الواحد الحي الحقيقي، وهذه ليست مسألة ننفعل بها وإنما حقيقة نحياها ونمارسها في كل الأوقات، حينما نتقابل في اجتماعاتنا، وفي ليتورجياتنا، وفي إفخارستياتنا وأيضاً في مخادعنا وفي كل أمور حياتنا..
"لذلك نحن أيضا إذ لنا سحابة من الشهود مقدار هذه محيطة بنا لنطرح كل ثقل والخطية المحيطة بنا بسهولة و لنحاضر بالصبر في الجهاد الموضوع أمامنا ناظرين إلى رئيس الإيمان و مكمله يسوع الذي من اجل السرور الموضوع أمامه احتمل الصليب مستهينا بالخزي فجلس في يمين عرش الله.. و ماذا أقول أيضا لأنه يعوزني الوقت إن أخبرت عن جدعون و باراق و شمشون و يفتاح و داود و صموئيل و الأنبياء الذين بالإيمان قهروا ممالك صنعوا برا نالوا مواعيد سدوا أفواه اسود اطفاوا قوة النار نجوا من حد السيف تقووا من ضعف صاروا أشداء في الحرب هزموا جيوش غرباء أخذت نساء أمواتهن بقيامة و آخرون عذبوا و لم يقبلوا النجاة لكي ينالوا قيامة أفضل و آخرون تجربوا في هزء و جلد ثم في قيود أيضا و حبس رجموا نشروا جربوا ماتوا قتلا بالسيف طافوا في جلود غنم و جلود معزى معتازين مكروبين مذلين و هم لم يكن العالم مستحقا لهم تائهين في براري و جبال و مغاير و شقوق الأرض فهؤلاء كلهم مشهودا لهم بالإيمان لم ينالوا الموعد إذ سبق الله فنظر لنا شيئا أفضل لكي لا يكملوا بدوننا" (عب12: 1-2 ، 11: 32-39)
_____________ (1) المقصود اتحدنا بجسد المسيح الحي فوق الزمان أي اتحادنا بجميع القديسين الذين يشتركون في الإيمان الواحد والمنضمين لجسم الكنيسة عبر الزمان والمكان.
(2) وهذا ما نختبره في صلاتنا وفي القداس إذ نشعر بحضور حقيقي لله بشخصه وجميع القديسين الذين يشاركوننا الصلاة.
(3) ليس المقصود أننا نتحول لله - حاشا- بل المقصود هوَّ قبول دعوة الله القائمة على مبادرة حبه لنا إذ قد تجسد وجعلنا واحداً معهُ وأعطانا حق الاتحاد على أساس أنه منحة منه وعطية خاصة للبشر إذ قد أعطانا جسده ودمه مأكل ومشرب حق وهما أساس سرّ الوحدة المبنية على اتحاده بنا بغير افتراق في سرّ التجسد ...