عدد المساهمات : 540 نقاط : 1641 تاريخ التسجيل : 08/08/2009
موضوع: سلسلة معرفة الفس ومعرفة الله الجزء الثالث الجمعة 28 أغسطس - 1:19
سلسلة معرفة الفس ومعرفة الله الجزء الثالث
3_سر الله وسر الأنسان
س: من أنا ومن أنت ؟ من أين أتينا ؟ إلى أين نذهب ؟ سؤال مطروح للجميع ، ومن منا يقدر أن يجاوب !!!
مَن يعي نفسه ويكتشف حقيقتها يستيقظ فجأة ليرى الحقائق أمام عينيه ساطعة كشمس النهار ، ويحيا حياة الهدوء والسلام العميق والسعادة في ملئها ، وفي أشد الظروف قسوة يصبر ويعبرها بسلام ونظره معلق على مجد القيامة الذي لا يزول متيقن أن وراء الصليب قيامة ، وفي عمق الآلام تاج إكليل مجد فائق ...
في أعماقنا – إن دققنا – حنين وشوق عظيم وجوع لمعرفة الله ... لذلك نظل نفتش ولسان حالنا : أين الطريق وكيف نسير ؟
وأحياناً نريد أن نعرف أنفسنا ونفهمها ! لأننا نقع في حيرة من أمرنا إذ نجدنا تارة نريد أن نتوب ونقرب من الله وأحياناً أخرى نسير وراء الشهوة والخطية بكل جموح وعدم انضباط ، وأحياناً نبقى في حالة وسط لا نريد خطية ولا برّ ، بل في ضيق وقلق دون أن نفهم السرّ ، وفي النهاية كلنا في داخلنا صارخين : ماذا نُريد ؟ وإلى أين نذهب ؟ وكيف نسير ؟ ونأن في أنفسنا ونصرخ كيف نعرف أنفسنا ونفهمها ؟
ولكننا كثيراً ما نشعر بانقسام داخلي بين معرفتين ، وهي إما أن نعرف الله فنكره أنفسنا ونصير في خصومه معها لأننا نجدها تحرمنا منه بجموحها وعدم قدرتها على الثبوت في حالة البرّ والتوبة ومخافة الله !!! أو نعرف أنفسنا فنبتعد عن الله إذ نجده مانع عظيم أمام طموحنا ورغباتنا وأحلامنا ، وقد نتخذ الآية حصن لنا وحجة دامغة : " و قال للجميع إن أراد احد أن يأتي ورائي فلينكر نفسه و يحمل صليبه كل يوم و يتبعني " (لو 9 : 23) فنجد صعوبة في التوفيق بين المعرفتين ، فنجد أنفسنا بين أربعة أمور : 1- إما أن نتخلى عن أنفسنا وأحلامنا ورغباتنا ونعرف الله 2- أو نتخلى عن معرفة الله ونتنازل عن وصاياه لنعرف أنفسنا ونحقق كل رغباتنا بشتى الطرق . 3- أو نقف في حالة وسط ونحاول أن نوفق بين الأمور ونمسك العصا من المنتصف ... 4- أو نكون في حالة سلبية ولا مبالاة ، ولا نتخذ أي قرار ونترك الأمور على ما هي ونتركها للظروف وتسير كيفما شاءت !!!
ولكن بعبارة واضحة مختصرة وصريحة يقول القديس الأنبا انطونيوس : ( من عرف نفسه عرف الله ، ومن عرف الله يستحق أن يعبده بالروح والحق )
وهنا يكمُن سرّ الله وسرّ الإنسان ، كيف ؟!!! " فخلق الله الإنسان على صورته ، على صورة الله خلقه ذكراً وأنثى خلقهم . وباركهم الله وقال لهم أنموا وأكثروا واملئوا الأرض .. " (تك1: 27-28 )
قبل السقوط نجد إن الإنسان – بطبيعة تكوينه وصورة الله المخلوق عليها – كان في حالة من الانسجام التام مع الله ومع نفسه ، ولا يوجد تعارض بين رغباته وإرادته وإرادة الله ، بل هناك انسجام واضح في لقاء حي مع الله والتعلَّم منه ...
ويشرح القديس غريغوريوس النيصي سرّ حنين النفس وشوقها لله قائلاً : [ إذا كان الإنسان قد دُعيَّ للحياة ليكون شريكاً في " الطبيعة الإلهية " ، فلا بدَّ أن يكون تكوينه أساساً يؤهَّله لهذه المشاركة ... كان من الضروري أن شيئاً من المماثلة الإلهية يُمزج بالطبيعة البشرية حتى تجعله هذه العلاقة يميل إلى ما تمُت إليه .. من أجل هذا وهب للإنسان كل السجايا الجديرة باللاهوت ، حتى يتوق كل من هذه الفضائل ( الحكمة ، البصيرة ... الخ ) إلى مثيله في الله . ولأن الأبدية ملازمة للاهوتية على الإطلاق ، كان لابُدَّ من أن لا تُحرم منها طبيعتنا ، بل أن تُذوَّد بعنصر الخلود . وبفضل هذه الهبة الممنوحة ، نجدها – النفس – مشدودة دائماً إلى ما يفوق قامتها ، يحدوها دائماً الحنين إلى الأبدية . هذا ما تُشير إليه رواية خلق الإنسان في عبارة واحدة جامعة شاملة عندما تقول أن " الإنسان عُمل على صورة الله " (تك1: 26 ) ]
والقديس أثناسيوس الرسولي يعلّق على نفس الآية شارحاً معنى صورة الله في الرسالة عن الروح القدس قائلاً : [ يعني أن نفهم الإنسان باعتباره أبناً لله في الابن الحقيقي ]
من هنا نستطيع أن نعي ، أنهُ ينبغي أن نقوم برحلة ، وهي أن نغوص في داخل أنفسنا ، ولنصغي لكلمات القديس مقاريوس الكبير : [ إن المسيحيين يعرفون جيداً أن النفس هي أثمن من جميع الأشياء المخلوقة ، فإن الإنسان وحده هو الذي صُنع على صورة الله ومثاله ... الإنسان هو أعظم قدراً ... فهو وحده الذي سُرَّ به الرب ... فتأمل في كرامتك وقدرك العظيم ، حتى أن الله جعلك فوق الملائكة ، لأنه لأجل معونتك وخلاصك جاء هو بنفسه شخصياً إلى الأرض . ] ( عظة 15: 43 )